فرنسا تهدد الجزائر بإلغاء اتفاق تاريخي.. معاهدة إيفيان تثير أزمة دبلوماسية

في ظل ارتفاع وتيرة التوتر بين فرنسا والجزائر، وفي تصعيد جديد بشأن ملف الهجرة، هدد وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، بإلغاء الاتفاق التاريخي الذي وقعته بلاده مع الجزائر في عام 1968.

ويخص هذا الاتفاق الهجرة والإقامة الخاصة بالجزائريين في فرنسا، ويعود أساس هذا التهديد إلى اتهام باريس لمواطن فرنسي من أصول جزائرية بتسريب معلومات حساسة للمخابرات الجزائرية عن معارضين جزائريين يقيمون على الأراضي الفرنسية.
مهلة 6 أسابيع لترحيل الجزائريين
وتأتي هذه التهديدات في وقت تشهد فيه العلاقات بين البلدين الكثير من التوتر، حيث أشار رئيس الحكومة الفرنسية، فرانسوا بايرو، في نهاية فبراير الماضي، إلى إمكانية طلب إلغاء الاتفاق في حال عدم استجابة الجزائر للمطالبة الفرنسية باستعادة مواطنيها المقيمين بطرق غير قانونية في فرنسا خلال مهلة مدتها ستة أسابيع.

ولقي هذه التوجه دعم عدد من المسؤولين الفرنسيين، من بينهم شخصيات بارزة في تيار اليمين واليمين المتطرف، مثل مارين لوبان وإيريك سيوتي، إضافة إلى وزراء سابقين ورؤساء حكومات سابقين، يشتركون في الرأي بأن الاتفاق المبرم في 1968 قد منح الجزائريين امتيازات غير عادلة في ملف الهجرة، ما ساهم في تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين إلى فرنسا، وهو ما يمثل بحسبهم تهديدًا للأمن الوطني والنسيج الاجتماعي الفرنسي.

وفي المقابل، ترى بعض التيارات اليسارية أن الاهتمام المتزايد من قبل الحكومة الفرنسية بملف الهجرة، خاصة فيما يتعلق بالجزائر، يعكس تصاعد الانقسام السياسي في البلاد، إذ يظهر هذا التصعيد السعي إلى تبني خطاب اليمين المتطرف من قبل الحكومة الحالية، بقيادة الرئيس إيمانويل ماكرون، في محاولة لكسب أصوات الناخبين قبل الانتخابات المقبلة.
قصة اتفاق 1968 بين الجزائر وفرنسا
يعود الاتفاق "الفرنسي - الجزائري" المهدد بالانهيار إلى 27 ديسمبر 1968، وهو اتفاق يمتد على ثماني صفحات تناول شروط وإجراءات دخول الجزائريين إلى الأراضي الفرنسية والإقامة فيها، وقد جاء هذا الاتفاق في إطار اتفاقيات إيفيان التي أنهت الحرب بين الجزائر وفرنسا في عام 1962.

ومن بين بنود اتفاقيات إيفيان، السماح بحرية التنقل بين البلدين، حيث كان بمقدور الجزائريين دخول فرنسا دون تأشيرة أو جواز سفر، بينما كان الفرنسيون قادرين على دخول الجزائر تحت نفس الشروط.
اقرأ أيضا..
رفض عربي واسع لاستئناف إسرائيل حربها على غزة
لم يحقق الاتفاق ما توقع الطرفين، فبعد توقيع اتفاقيات إيفيان، اختار حوالي 800 ألف فرنسي مغادرة الجزائر والعودة إلى بلادهم، ما جعل حرية التنقل بين البلدين بلا قيمة فعلية بالنسبة لهم، وفي عام 1968، قامت فرنسا بتقليص هذه الحرية عبر الاتفاق الذي حدد حصصًا سنوية للعمال المهاجرين الجزائريين، والتي لم تتجاوز في البداية 35 ألف شخص.
أسباب توقيع الاتفاق
في تلك الحقبة، كانت فرنسا تشهد ازدهارا اقتصاديا، ما جعلها بحاجة ماسة إلى اليد العاملة لتلبية احتياجاتها في الصناعات والمشاريع الكبرى، وكانت الهجرة الجزائرية بمثابة الحل لتغطية النقص في العمالة، خاصة في الوظائف التي كان يرفضها الفرنسيون.

وفي بداية السبعينات، واجهت فرنسا أزمة اقتصادية وانخفاضًا في معدلات النمو، ما دفع حكومة جاك شيراك في عام 1974 إلى تعليق استقبال العمال الأجانب، بمن فيهم الجزائريون، وتفضيل المواطنين الفرنسيين في سوق العمل، لكن الجزائريين استفادوا من بعض الامتيازات في قوانين الإقامة، بما في ذلك تسهيلات في الحصول على الإقامة عند الزواج من فرنسي أو عند إنجاب طفل فرنسي.
التعديل على الاتفاق
برغم إغلاق فرنسا أبواب الهجرة أمام العمال الأجانب في السبعينات، إلا أن الجزائريين تمتعوا ببعض "الامتيازات" التي مكنت لهم الاستفادة من تسهيلات خاصة.
على سبيل المثال، يمكن للجزائري الذي يمتلك مشروعًا تجاريًا أو حرفيًا في فرنسا الحصول على الإقامة دون الحاجة لإثبات جدوى المشروع، كما يمكن للجزائري المتزوج من فرنسية أن يحصل على إقامة لمدة 10 سنوات بعد سنة من الزواج.

فيما تم تعديل الاتفاق على مر السنين لتقليص الامتيازات التي كانت توفرها فرنسا للمهاجرين الجزائريين، ومن بين التعديلات التي طرأت على الاتفاق، تفعيل التأشيرة في عام 1986 لجميع مواطني دول المغرب العربي، بما في ذلك الجزائر، بالإضافة إلى تغيير بعض أحكام الاتفاق في عامي 1985 و1994.
تراجع امتيازات الجزائريين
فقد المهاجرون الجزائريون في فرنسا العديد من الامتيازات التي كان الاتفاق يضمنها لهم، لا سيما الأجيال الجديدة، التي تواجه تحديات أكبر مقارنة بغيرها من المهاجرين.
اقرأ أيضا..
رغم الحرب.. روسيا تحتل المرتبة الثانية بين أكبر مصدري الأسلحة عالميا
على سبيل المثال، يواجه الطلاب الجزائريون صعوبة في العمل في فرنسا مقارنة بالطلاب الأجانب الآخرين، كما أنهم مجبرون على تجديد إقامتهم سنويًا، بخلاف غيرهم من المهاجرين.
قانونية إلغاء الاتفاق
هددت فرنسا بإلغاء الاتفاق، إلا أن ذلك يواجه تحديات كثيرة، فلا يمكن لأي من البلدين، فرنسا أو الجزائر، التنصل من الاتفاق بشكل أحادي، لأنه يعتبر جزءًا من الاتفاقيات الدولية التي تتفوق على القوانين المحلية، وبالتالي، فإن التعديل أو الإلغاء يتطلب موافقة الطرفين.
وتتمحور قضية الاتفاق الفرنسي-الجزائري حول الهجرة بين الطرفين في ظل تطورات سياسية معقدة، وبينما يسعى البعض في فرنسا إلى تقليص الامتيازات المرتبطة بالاتفاق، تبقى الجزائر متمسكة به، ما يفتح المجال لمزيد من الجدل القانوني والسياسي حول مصير هذا الاتفاق التاريخي.