قصة «روحية» في المحكمة.. صراع أمومة ضد تهمة لم ترتكبها

على مقربة من قسم شرطة الطالبية بالجيزة، كانت روحية بدر سيد غازي تجرّ خطواتها الثقيلة في الممر الضيق، تمسك بيد طفلها الصغير، فيما تشد الأخرى عباءتها بحذر، كأنها تحاول أن تخفي شيئًا. ليس في حقيبتها سوى طعام بسيط أعدّته لزوجها المحبوس، وشيء آخر أكثر ثقلًا.. مخاوفها.
في عالمها، لم تكن المخدرات أكثر من شبح يلاحق العائلات الفقيرة في الحارات الضيقة، حيث يختلط الصالح بالطالح، وتمتزج رائحة الطبخ برائحة التبغ الرخيص، لم تتوقع أن تصبح يومًا عنوانًا في الصحف أو رقمًا في سجلات المحاكم.
لحظة الانهيار
عندما اقتربت من بوابة السجن، وقفت تنتظر دورها في طابور الزيارات، كان مشهدًا معتادًا: نساء يحملن أكياس الطعام، أطفال يبكون، رجال شرطة يتفحصون كل شيء بدقة، كأنهم يبحثون عن خطأ محتمل. لم يكن في يدها سوى الأمل بأن ترى زوجها ولو لدقائق معدودة.
لكن ما حدث كان خارج توقعاتها، توقفت يد الشرطي عند كيس بلاستيكي شفاف وسط الأغراض، نظرت إليه بذهول، بحثت في وجهه عن تفسير، لكنه كان قد اتخذ قراره بالفعل، خلال ثوانٍ، تحولت الزيارة إلى تحقيق، والسجن إلى زنزانة أخرى تنتظرها.
«أنا مش بتاعة الحاجات دي!»، صرخت مرارًا، لكن الكلمات سقطت على آذان صماء، كان القرار سريعًا، لم يمنحوها حتى فرصة الشرح، أُسقط في يدها، ووجدت نفسها بين القضبان، لا تفهم سوى صراخ طفلها الذي تُرك عند الجارة، وسيل الأسئلة الذي يتدفق عليها كالمطر.
بين الجدران الباردة
في قسم الشرطة، لم يكن هناك وقت للأسئلة العاطفية، مجرد اسم يُسجل، رقم قضية يُكتب، تهمة تُضاف إلى قائمة طويلة من القضايا المشابهة، كل شيء كان يمضي بسرعة مقلقة.
عندما التقت بمحاميها للمرة الأولى، لم تستطع أن تخفي ارتجاف يديها. سألها الرجل عن الواقعة، لكنها لم تجد سوى جملة واحدة تكررها: “أنا مش بتاعة الحاجات دي”، حاول المحامي تهدئتها، لكن في عينيه، كان هناك شك غير معلن.
المحاكمة.. حيث الكلمات لا تكفي
كانت القاعة باردة، الجدران شاهدة على آلاف القضايا التي مرت من هنا، وأمام القاضي، كانت روحية مجرد متهمة أخرى.
تحدث الادعاء، استعرض الأدلة، تلا أسماء الشهود. كل شيء كان يبدو محكمًا، وكأنها بالفعل مذنبة، لكنها لم تكن كذلك.
في اللحظة التي وقف فيها القاضي ليعلن الحكم، حبست أنفاسها، كان صوت المطرقة أكثر وقعًا من أي شيء، البراءة، لكن هل حقًا تحررت؟
الحرية بطعم الشك
حين خرجت من المحكمة، لم تكن الابتسامة حاضرة على وجهها، نظرات الناس تلاحقها، الهمسات تنتشر بسرعة، لم يكن يكفي أن يقول القاضي إنها بريئة، في الأحياء الفقيرة، الأحكام القضائية لا تمحو الشائعات.
عادت إلى بيتها، إلى أطفالها، لكنها لم تعد كما كانت، زوجها خلف القضبان، وعليها أن تعود للعمل في المنازل، لكن هذه المرة، سيكون عليها أن تواجه نظرات الاستفهام في عيون من تعاملهم.
«هي مش اللي كانوا ماسكينها في المخدرات؟».. همسات كهذه كانت كافية لجعلها تعيش في سجن آخر، بلا قضبان، لكنه أكثر قسوة.