الحرب التجارية بين أمريكا والصين.. معركة نفوذ أم اقتصاد؟

تشهد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين فصلاً جديدًا من التصعيد، بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية جديدة تتجاوز 100% على واردات صينية، لا سيما في قطاعات الإلكترونيات، والرقائق الدقيقة، والبطاريات المتقدمة.
تأتي هذه الخطوة في ظل تصاعد الخطاب الانتخابي الأمريكي، مما يدفع البعض لتفسيرها باعتبارها جزءًا من أدوات الضغط السياسي الداخلي، بقدر ما هي سياسة اقتصادية خارجية.
اقتصاد أمريكا يتألم من قراراته
القرارات الأخيرة جاءت في توقيت حساس يشهد فيه الاقتصاد الأمريكي ارتفاعًا في معدلات التضخم، وتوترًا في سلاسل الإمداد، خاصة للسلع التقنية المعتمدة على المكونات الصينية.
وقد أظهرت مؤشرات السوق أن هذه الرسوم أضافت أعباء جديدة على المستهلك الأمريكي، من خلال ارتفاع الأسعار النهائية لعدد كبير من السلع، مما أثار مخاوف واسعة داخل دوائر الأعمال والتكنولوجيا.
كما أبدت شركات كبرى في وادي السيليكون قلقها من أن تؤدي هذه الرسوم إلى تأخير الإنتاج، وزيادة تكاليف التشغيل، بل وقد تدفع بعض الشركات إلى تقليص عملياتها أو البحث عن أسواق بديلة، وهو ما يُضعف تنافسية المنتجات الأمريكية عالميًا.
الصين تختار الرد بهدوء ودهاء
على عكس المتوقع، لم ترد الصين برسوم مماثلة، بل اختارت أسلوبًا استراتيجيًا هادئًا قائمًا على توسيع الشراكات التجارية في آسيا، وعقد اتفاقيات جديدة مع دول مثل فيتنام، ماليزيا، وكمبوديا، بهدف تنويع أسواق التصدير وتقليل الاعتماد على السوق الأمريكي.
كما أعلنت بكين عن خطة شاملة لتوسيع صادراتها إلى الدول النامية وأوروبا، بالتوازي مع تعزيز سلاسل الإنتاج الداخلي وتحفيز الطلب المحلي، بما يضمن استمرار دوران عجلة الاقتصاد الصيني، دون الدخول في صدام مباشر يُفقدها أسواقًا رئيسية.
الصين تفوز بالجولة الأولى
بحسب تقرير حديث نشره معهد الدراسات الاقتصادية العالمية، فإن الصين نجحت في كسب الجولة الأولى من هذه الحرب التجارية، مستفيدة من:
- مرونة الإنتاج وسرعة التكيف
- قوة البنية التحتية للتصدير
- القدرة على بناء تحالفات بديلة بعيدًا عن الضغط الأمريكي
في المقابل، يظهر أن السياسة الأمريكية تخضع أكثر لردود الفعل الانفعالية قصيرة المدى، دون استراتيجية بعيدة المدى تضمن استقرار سلاسل الإمداد والقدرة التنافسية لمنتجاتها.
معركة النفوذ مستمرة
ورغم أن الجولة الأولى تميل لصالح الصين، إلا أن المعركة ما زالت مفتوحة، وقد تشهد فصولًا أكثر سخونة في ظل اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية، وتزايد التوترات الجيوسياسية حول تايوان وبحر الصين الجنوبي.
الحرب التجارية بين الصين وأمريكا لم تعد مجرد صراع اقتصادي، بل أصبحت مواجهة استراتيجية على قيادة النظام التجاري العالمي.
بينما تسير أمريكا بخطى متسارعة ومضطربة أحيانًا، تبدو الصين أكثر قدرة على اللعب الطويل، والتحرك بدهاء اقتصادي يعيد تشكيل خريطة التجارة العالمية.