مصر تحقق نموًا اقتصاديًا 3.5% رغم التحديات.. خبير يوضح الأسباب واستراتيجيات الاستدامة
في ظل التحديات الاقتصادية العالمية والتوترات الجيوسياسية التي ألقت بظلالها على معظم دول العالم، استطاع الاقتصاد المصري تسجيل معدل نمو قدره 3.5% خلال الربع الأول من العام المالي 2024/2025، مقارنة بـ 2.7% خلال نفس الفترة من العام المالي السابق.
هذه الزيادة ليست مجرد أرقام، بل تعكس جهودا حكومية مكثفة وإصلاحات اقتصادية جريئة هدفت إلى استعادة استقرار الاقتصاد الكلي وتعزيز حوكمة الاستثمارات العامة.
ويعكس هذا النمو قدرة الاقتصاد المصري على التكيف مع المتغيرات العالمية، والاستفادة من الفرص المتاحة رغم الصدمات الخارجية، مثل استمرار تراجع عائدات قناة السويس وتباطؤ قطاع الاستخراجات.
السياسات الإصلاحية ودورها في دفع النمو
ترجع أهم أسباب تحقيق معدل النمو الإيجابي إلى مجموعة من السياسات الإصلاحية التي تبنتها الحكومة، والتي كان لها تأثير مباشر على تحسين بيئة الأعمال وتعزيز ثقة المستثمرين.
ومن أبرز هذه السياسات:
تحرير الإفراج الجمركي
ساهمت التسهيلات الجمركية في تسريع وتيرة الإنتاج الصناعي من خلال توفير مستلزمات الإنتاج اللازمة.
تعزيز الحوكمة
تطبيق حوكمة صارمة على الاستثمارات العامة ساعد في تقليل الهدر وتعظيم كفاءة استخدام الموارد.
تحفيز القطاع الخاص
دعم الاستثمارات الخاصة التي سجلت نموا بنسبة 30%، مما أدى إلى تعزيز دور القطاع الخاص كمحرك رئيسي للنمو.
الصناعة التحويلية.. قاطرة الاقتصاد المصري
لعبت الصناعة التحويلية غير البترولية دورا محوريا في تحقيق هذا النمو، حيث سجلت معدل نمو بلغ 7.1% خلال الربع الأول من العام المالي الحالي.
وجاء هذا الأداء القوي نتيجة:
زيادة حجم المعروض الصناعي، وذلك بفضل الإفراج عن البضائع في الموانئ، مما ساهم في تسريع وتيرة الإنتاج.
نمو الصادرات، حيث ساعدت زيادة الطلب على المنتجات المصرية، خاصة في القطاعات الكيماوية والنسيجية، على دفع عجلة الإنتاج.
ولم تكن الصناعة وحدها في الصدارة؛ فقد شهدت قطاعات أخرى مثل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات نموا بنسبة 12.2%، وقطاع النقل والتخزين بنسبة 15.6%، مما يعكس تنوع مصادر النمو الاقتصادي.
تحديات قائمة
رغم النتائج الإيجابية، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه الاقتصاد المصري، أبرزها:
تراجع إيرادات قناة السويس بنسبة 68.4% بسبب التوترات في المنطقة، مما أثر على حركة الملاحة البحرية.
تباطؤ قطاع الاستخراجات، حيث سجل انخفاضا بنسبة 8.9%، نتيجة انخفاض إنتاج الغاز والبترول.
لكن الحكومة تتوقع تحسن هذه المؤشرات خلال الفترة المقبلة بفضل سداد جزء من مستحقات الشركاء الأجانب في قطاع الطاقة، واستكمال خطط التنقيب عن الغاز والبترول.
اقتصادي يوضح أسباب النمو
كشف الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادي ونائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربي بجامعة الدول العربية لشؤون التنمية الاقتصادية، أن تحقيق معدل نمو حقيقي للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.5% خلال الربع الأول من العام المالي الحالي 2024/2025 يُعد إنجازا اقتصاديا هاما، يعكس نجاح الدولة المصرية في تنفيذ حزمة من الإصلاحات الاقتصادية التي ساهمت في تعزيز استقرار الاقتصاد الكلي وتوفير بيئة جاذبة للاستثمار.
وأكد غراب في تصريحاته لموقع "تفصيلة"، أن هذا النمو جاء نتيجة عدة عوامل رئيسية، أبرزها الإصلاحات الاقتصادية الجريئة التي تبنتها الحكومة بهدف تحسين مناخ الأعمال، وتعزيز حوكمة الاستثمارات العامة، إلى جانب تقديم تيسيرات ومحفزات استثمارية متعددة.
وشملت هذه المحفزات إصدار "الرخصة الذهبية" لتسهيل إجراءات تأسيس المشروعات الكبرى، بالإضافة إلى حوافز ضريبية وتسهيلات جمركية ساهمت في خفض تكلفة الإنتاج، وتوفير الأراضي الصناعية بمزايا تنافسية لدعم المشروعات الاستثمارية.
وأوضح غراب أن الدولة أطلقت أيضا مبادرات تمويلية مهمة بالتعاون مع البنك المركزي المصري، لتوفير قروض بفائدة مخفضة للمشروعات الإنتاجية في القطاعات الصناعية والزراعية والسياحية، وهو ما ساهم في تحفيز الاستثمارات الخاصة التي سجلت نموا بنسبة 30% لتصل إلى 133.1 مليار جنيه خلال الربع الأول من العام المالي الحالي.
وتوقع أن يتراوح معدل النمو بين 4% و4.5% بنهاية العام المالي، استنادًا لتقديرات المؤسسات الاقتصادية المحلية والعالمية.
الصناعة والاتصالات والسياحة تقود قاطرة النمو
وأشار غراب في حديثه لـ"تفصيلة" إلى أن تأثير الإصلاحات الاقتصادية كان واضحا على أداء عدد من القطاعات الحيوية، حيث حقق قطاع الصناعات التحويلية غير البترولية نموا ملحوظا بنسبة 7.1%، بفضل تيسير إجراءات الإفراج الجمركي عن مستلزمات الإنتاج، وزيادة المعروض من المواد الخام، مما أدى إلى تسريع وتيرة الإنتاج الصناعي.
كما شهد قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات نموا قويا بنسبة 12.2% نتيجة الاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية الرقمية وتوسع خدمات التحول الرقمي، بينما حقق قطاع السياحة نموا بنسبة 8.2% رغم التحديات الجيوسياسية العالمية، بفضل تنوع المقاصد السياحية المصرية وزيادة تدفق السائحين.
وسجل قطاع الزراعة نموا مستقرا بنسبة 2.65% بفضل مشروعات التوسع الأفقي وتحديث نظم الري.
طفرة في الصادرات وتحويلات المصريين بالخارج
وأوضح غراب أن السياسات الحكومية الداعمة للصادرات ساهمت في تحقيق طفرة كبيرة في الصادرات السلعية، حيث سجلت نحو 40 مليار دولار خلال العام الماضي.
كما ارتفعت إيرادات قطاع السياحة إلى 14.1 مليار دولار خلال أول 11 شهرا من عام 2024، وحققت 4.8 مليار دولار خلال الربع الأول من العام المالي الحالي.
وفيما يتعلق بتحويلات المصريين العاملين بالخارج، فقد سجلت ارتفاعا كبيرا لتصل إلى 8.3 مليار دولار خلال الربع الأول، بنسبة نمو بلغت 84.4% مقارنة بنفس الفترة من العام المالي السابق، وهو ما يعزز من احتياطيات النقد الأجنبي ويخفف الضغط على ميزان المدفوعات.
الحفاظ على معدلات النمو
وللحفاظ على معدلات نمو مرتفعة خلال السنوات المقبلة، شدد غراب على أهمية الاستمرار في التركيز على القطاعات الإنتاجية، خاصة الصناعة والزراعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، باعتبارها محركات رئيسية للنمو الاقتصادي.
كما أوصى بتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، لدورها الحيوي في دعم الاقتصاد وتعزيز فرص العمل.
وأضاف غراب أن تحسين كفاءة الإنفاق الحكومي وتوجيهه نحو مشروعات ذات عائد اقتصادي مرتفع سيساهم في زيادة معدلات النمو، بالإضافة إلى ضرورة الاستمرار في دعم القطاع الخاص وتذليل العقبات التي تعيق نموه.
كما دعا الدولة إلى مواصلة جهودها في حل مشاكل المصانع المتعثرة والمغلقة، وتحفيز القطاع الخاص على تصنيع السلع غير الضرورية المستوردة بهدف تقليص فاتورة الاستيراد وزيادة حجم الصادرات.
وأكد غراب أن استمرار تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية وتعزيز قدرة الاقتصاد الوطني على مواجهة التحديات الخارجية والداخلية يعد أمرا ضروريا، إلى جانب العمل على تحسين مناخ الاستثمار لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والحفاظ على استقرار سعر الصرف، وتعزيز التقدم التكنولوجي لتحقيق تنمية اقتصادية شاملة ومستدامة.
تحسين معيشة المواطن
واختتم غراب تصريحاته لـ"تفصيلة" بالتأكيد على أن زيادة معدلات النمو الاقتصادي تعود بفوائد كبيرة على الاقتصاد الوطني والمجتمع، حيث تسهم في توفير فرص عمل جديدة وتقليل معدلات البطالة، مما يساهم في رفع مستوى دخل الأفراد وتحسين مستوى معيشتهم.
كما يعزز هذا النمو من تدفقات العملة الأجنبية، مما يزيد من الدخل القومي ويوفر سيولة دولارية تدعم استقرار الاقتصاد، بالإضافة إلى ذلك، يسهم النمو في تقليل معدلات التضخم والسيطرة على الأسعار، مما يحد من معدلات الفقر ويُحسن جودة الخدمات العامة المقدمة للمواطنين مثل التعليم والصحة والنقل.
وأكد غراب أن استمرار العمل على تطوير الاقتصاد المصري وتحقيق معدلات نمو مستدامة سيعزز من مكانة مصر الاقتصادية إقليميا ودوليا، ويجعلها أكثر قدرة على مواجهة التحديات والأزمات الاقتصادية العالمية المستقبلية.