البابا فرنسيس.. رحيل رمز الفقر والسلام

أعلن الفاتيكان، اليوم الإثنين، وفاة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، عن عمر ناهز 88 عامًا، وذلك بعد تدهور حالته الصحية خلال الأسابيع الماضية على خلفية إصابته بالتهاب رئوي مزدوج.
وكان البابا فرنسيس، الذي تولّى السدة البابوية منذ عام 2013، قد أمضى مؤخرًا نحو 38 يومًا في المستشفى، حيث تلقى علاجًا مكثفًا عقب إصابته بأزمة تنفسية حادة كادت أن تودي بحياته.
أزمة صحية حادة ومحاولات لاستئناف النشاط
ورغم حالته الصحية الحرجة، حرص البابا فرنسيس في الأيام الأخيرة على الظهور بشكل محدود، حيث شارك في عدد من المناسبات الدينية والاجتماعية، في محاولة لمزاولة مهامه الروحية قبل أن يفارق الحياة.

ظهور أخير بمناسبة عيد الفصح
وأمس الأحد، أطلّ البابا فرنسيس على الجمهور من شرفة كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان، حيث قدّم مباركة (Urbi et Orbi) التقليدية بمناسبة عيد الفصح، في ظهور وصف بأنه الأبرز له منذ مغادرته المستشفى.
وعلى الرغم من معاناته من صعوبة في التنفس وضعف في الصوت، حرص على إتمام هذه الشعيرة المقدسة التي يختص بها بابا الكنيسة وحده.
نشاط رمزي رغم النصائح الطبية
وفي الأيام التي سبقت وفاته، شارك البابا فرنسيس في عدد من الأنشطة الرمزية، منها زيارة إلى سجن في العاصمة الإيطالية روما يوم الخميس، وظهور مسائي في كاتدرائية القديس بطرس مساء السبت، رغم التحذيرات الطبية بضرورة تجنّب الحشود والفعاليات الكبرى خلال فترة نقاهته الممتدة لشهرين.
كما التقى البابا بشكل مقتضب نائب الرئيس الأمريكي، جيه دي فانس، في لقاء خاص لتبادل التهاني بعيد الفصح، بحسب بيان صادر عن الفاتيكان.
رسالة وداع مؤثرة في عيد الفصح
وحرص الفاتيكان على نشر الرسالة الأخيرة التي وجهها البابا فرنسيس للعالم بمناسبة عيد الفصح، والتي عبّر فيها عن ألمه الشديد تجاه ما وصفه بالوضع الإنساني المأساوي في قطاع غزة.
وناشد البابا فرنسيس الأطراف المتحاربة إعلان وقف فوري لإطلاق النار، وإطلاق سراح الأسرى، وتقديم الدعم الإنساني العاجل للمدنيين المتضررين في غزة.

من هو البابا فرنسيس؟
ويعد البابا فرنسيس، أول بابا من أمريكا اللاتينية، وله مسيرة طويلة في تعزيز الحوار بين الأديان، ودعمه لقضايا الفقراء والمهاجرين، ومواقفه الصريحة من النزاعات العالمية وقضايا البيئة والعدالة الاجتماعية.
وفي 13 مارس 2013، دوّن التاريخ لحظة فارقة في مسيرة الكنيسة الكاثوليكية، بانتخاب الكاردينال الأرجنتيني خورخي ماريو بيرجوليو بابا للفاتيكان، ليحمل اسم فرنسيس، ويصبح أول بابا من أمريكا اللاتينية، وأول يسوعي يتولى هذا المنصب، بل وأول بابا يُنتخب من خارج أوروبا منذ أكثر من 1200 عام.
نشأة متواضعة وبدايات روحية
وُلد البابا فرنسيس في 17 ديسمبر 1936 في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، لأسرة مهاجرة من أصول إيطالية. عمل والده في السكك الحديدية، بينما تولت والدته تربية الأبناء الخمسة.
قبل انخراطه في الحياة الدينية، درس فرنسيس الكيمياء، إلا أن شعورًا داخليًا دفعه للانضمام إلى الرهبنة اليسوعية عام 1958.
بعد سنوات من التدريب اللاهوتي في الأرجنتين وتشيلي، رُسم كاهنًا في عام 1969، ومنذ ذلك الحين، بدأ مسار تصاعدي داخل المؤسسة الكنسية، حيث تولى رئاسة الرهبنة اليسوعية في الأرجنتين (1973–1979)، ثم عُيّن أسقفًا مساعدًا لبوينس آيرس عام 1992، ليصبح لاحقًا كاردينالًا في عام 2001.
وخلال كل تلك السنوات، لفت الأنظار ببساطته وتواضعه، إذ كان يركب الحافلات العامة ويعيش حياةً قريبة من عامة الناس.
اختار البابا الجديد لنفسه اسم فرنسيس، تيمنًا بالقديس فرنسيس الأسيزي، رمز الفقر والسلام.
وكان لهذا الاسم دلالة عميقة على رؤيته لبابويته، حيث أراد كنيسة فقيرة تخدم الفقراء، وتدافع عن المهمشين وتبسط يدها للعدالة الاجتماعية.
إصلاحات ومبادرات غير مسبوقة
منذ بداية ولايته، أطلق البابا فرنسيس سلسلة من الإصلاحات الإدارية والمالية في الفاتيكان، وسعى إلى إعادة هيكلة الدوائر البابوية، وتحقيق قدر أكبر من الشفافية.
كما أبدى التزامًا واضحًا بالقضايا المعاصرة، من بينها البيئة، حيث أصدر الوثيقة الشهيرة (كن مسبّحًا)، التي دعت إلى حماية الأرض ومكافحة التغير المناخي.
كما كانت له مواقف جريئة من قضايا اجتماعية شائكة، حيث دعا إلى الرحمة بدلًا من الإدانة، وحثّ الكنيسة على احتضان الجميع دون تفرقة، ما أكسبه تأييدًا واسعًا، وإن أثار في الوقت نفسه تحفظات داخل بعض الدوائر المحافظة في الكنيسة.

وثيقة الأخوة الإنسانية
لعب البابا فرنسيس دورًا بارزًا في صياغة وتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية في 4 فبراير 2019 في أبوظبي، إلى جانب الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر.
وشكّلت هذه الوثيقة إعلانًا مشتركًا يدعو إلى ترسيخ قيم السلام والتسامح والحوار بين الأديان، باعتبار الإنسانية عائلة واحدة.
وقد أُعلنت الوثيقة في مشهد رمزي مهيب، حمل رسالة رفض صريحة للإرهاب والكراهية، وأكدت أن الأديان لا تبرر العنف بأي شكل من الأشكال.
ولاحقًا، تأسست اللجنة العليا للأخوة الإنسانية لمتابعة تنفيذ بنود الوثيقة عالميًا، واعتُمد يوم توقيع الوثيقة (اليوم الدولي للأخوة الإنسانية) من قبل الأمم المتحدة.
رسالة أمل
في كتابه الأخير (الأمل)، الصادر في 2025، قدّم البابا فرنسيس نظرة شخصية وعميقة على حياته، مستعرضًا طفولته، وتأثير عائلته، وتجربته في أحياء بوينس آيرس الفقيرة.
وعبّر في كتابه عن قناعته بأن الأمل هو مفتاح مواجهة كل المحن، داعيًا إلى التضامن الإنساني والتطلع إلى مستقبل أفضل للإنسانية.