مبادرة روجرز تعود للواجهة
تسجيل عبد الناصر.. انفتاح على السلام مع إسرائيل أم براجماتية سياسية؟

أشعل تسجيل صوتي نادر جرى تداوله مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي، جدلاً واسعاً في مصر والعالم العربي، بعد أن كشف عن حديث بين الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ونظيره الليبي الراحل معمر القذافي، يُبدي فيه ناصر استعداداً للنظر في حل سلمي مع إسرائيل، منتقداً الدول التي تزايد على الموقف المصري دون تقديم خطوات عملية.
ويعود التسجيل الذي تم بثه عبر قناة تحمل اسم (ناصر TV) على يوتيوب، إلى 3 أغسطس 1970، أي قبل 5 أسابيع فقط من وفاة عبد الناصر في 28 سبتمبر من نفس العام.
رفض الشعارات الجوفاء ودعوة لحشد حقيقي ضد إسرائيل
في المكالمة التي امتدت لـ17 دقيقة، حذر عبد الناصر من أن الدخول في مواجهة عسكرية جديدة مع إسرائيل قد يؤدي إلى نكبة مماثلة لما حدث عام 1948، مؤكداً أن ميزان القوى العسكري كان يميل بشكل حاسم لصالح تل أبيب، جواً وبراً.
وأوضح أن المطالبة باستعادة أراضي 1948 بالكامل أو رفض الحلول الجزئية ليست إلا شعارات غير واقعية، في ظل الأوضاع الراهنة.
وأشار إلى استعداده لتقديم دعم مالي مباشر للدول العربية الراغبة فعلياً في خوض الحرب، مثل العراق والجزائر وسوريا واليمن الجنوبي، إن قررت الحشد الجماعي ضد إسرائيل.
هل كانت الناصرية براجماتية؟
أثار التسجيل، الذي حظي بأكثر من 90 ألف مشاهدة في أول يوم لنشره، مفاجأة لدى قطاع كبير من الجمهور العربي، لما يحمله من نبرة واقعية ومقاربة سياسية غير مألوفة لدى الزعيم الذي عُرف بدعواته للوحدة العربية ومواجهة إسرائيل.
ربط كثيرون بين حديث عبد الناصر في التسجيل، وما أقدم عليه خلفه أنور السادات لاحقاً بتوقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، في حين اعتبر البعض أن ما ورد في المكالمة لا يغير من ثوابت موقف عبد الناصر، بل يعكس تطوراً سياسياً في مقاربة الصراع، خاصة بعد نكسة 1967.
من يقف وراء النشر؟ تضارب حول علاقة التسجيل بمكتبة الإسكندرية
ورغم زعم قناة (ناصر TV) أن التسجيل ينتمي لأرشيف الرئيس الراحل في مكتبة الإسكندرية، نفت المكتبة أي صلة بالقناة أو مسؤولية عن محتواها.
وأكدت مكتبة الإسكندرية، أن موادها الرسمية عن عبد الناصر تُنشر فقط عبر الموقع الرسمي للرئيس الذي أسسته المكتبة عام 2004 بالتعاون مع هدى عبد الناصر، ابنة الرئيس الراحل.
لكن عبد الحكيم جمال عبد الناصر، نجل الرئيس الراحل، أكد امتلاكه للقناة، مشدداً على أن التسجيل ليس تسريباً، بل هو جزء من التراث المحفوظ والمتاح، وأن هدف النشر هو كشف الحقيقة المجردة وإتاحة التاريخ الكامل للأجيال الجديدة.
مبادرة روجرز وظلالها على الانقسام العربي
جاءت هذه المحادثة في ظل الاعتراضات العربية على قبول مصر بمبادرة روجرز الثانية عام 1970، التي طرحتها واشنطن لوقف إطلاق النار بين العرب وإسرائيل.
ونصت مبادرة روجرز على ما يلي:
- وقف إطلاق النار بين الطرفين لمدة 3 أشهر.
- الاعتراف المتبادل بين مصر والأردن وإسرائيل بسيادة كل دولة.
- انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967 وحل مشكلة اللاجئين.
- تعيين ممثل لكل دولة لتنفيذ قرار مجلس الأمن 242.
وقد لاقت هذه المبادرة انتقادات من العراق والجزائر، بينما رأى عبد الناصر فيها فرصة لتجنب حرب خاسرة.
عبد الناصر بين الواقعية السياسية وحلم المقاومة
في تعليقه على التسجيل، قال وزير الإعلام والخارجية الأسبق محمد فائق، إن سياسة عبد الناصر كانت دائماً عقلانية، تقوم على السعي لحل سياسي للصراع مع إسرائيل من مركز قوة وليس من منطلق الضعف.
وأكد فائق أن مصر سعت دائمًا إلى السلام دون الاستسلام، خاصة بعد حرب 1967، حيث بذلت جهوداً عدة من أجل التوصل إلى حلول تحفظ حقوق مصر.
من جانبه، أكد عضو مجلس الشيوخ عبد المنعم سعيد، أن عبد الناصر بلغ ذروة النضج السياسي بعد نكسة 1967، وهو ما تجسد في وقف حرب الاستنزاف وقبوله بمبادرة روجرز الأمريكية.
وقال سعيد إن ناصر لم يكن مستعداً للتوجه العلني نحو إسرائيل دون ضمانات قوية، لأنه كان يعتقد أن ذلك قد يجعل مصر تبدو ضعيفة، مما يتيح لإسرائيل والولايات المتحدة استغلال الوضع لصالحهما، على عكس السادات الذي أدرك أهمية الأوراق الأمريكية في اللعبة الإقليمية.
أشار إلى أن السادات، وبفضل فتح قنوات اتصال مع واشنطن، تمكن من التوصل إلى اتفاقات سياسية مثل اتفاق كامب ديفيد مع إسرائيل، وهو ما تحقق في وقت لاحق مع الأردن في اتفاق أوسلو.
الاختلاف بين مقاربة عبد الناصر والسادات للحل السلمي
وبشأن الاختلاف بين عبد الناصر والسادات في مقاربة حل الصراع العربي الإسرائيلي، قال فائق إن نقطة التحول الجوهرية في مسار الصراع كانت في تصريح السادات بأن 99% من أوراق اللعبة في يد أمريكا، وهو ما أدى إلى إضعاف موقف العرب.
بينما أوضح سعيد أن مقاربة السلام التي نُفذت في عهد السادات كانت في جوهرها بوادر سياسة بدأها عبد الناصر في أواخر سنوات حكمه من خلال فتح قنوات اتصال مع واشنطن للتوصل إلى حل سياسي للأزمة.
جدوى المقاومة المسلحة
وفيما يخص الجدل الدائر حول جدوى المقاومة المسلحة، أكد سعيد أنها يجب أن تكون ضمن استراتيجية شاملة تجمع بين الصراع المسلح، الضغط السياسي، الإعلام، والتظاهر وغيرها.
تكريس حرية تداول المعلومات
أعاد هذا التسجيل فتح ملف إتاحة الاطلاع على الأرشيف الرسمي المصري، إذ دعت النائبة مها عبد الناصر إلى سن قانون حرية تداول المعلومات، معتبرة أن الكشف عن التسجيلات التاريخية بعد مرور نصف قرن، سيسهم في كتابة تاريخ أكثر إنصافاً، ويمنح الأجيال القادمة رؤية أوضح للماضي.