مباحثات سرية بين حماس وواشنطن وصدمة في إسرائيل.. ماذا يحدث؟

خطوة مفاجئة، أقدم عليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إذ كشفت الإدارة الأمريكية عن إجراء مفاوضات مباشرة مع حركة حماس من أجل تأمين الإفراج عن مواطنين أميركيين محتجزين لديها.
وتمثل هذه الخطوة تحولا كبيرًا في نهج واشنطن تجاه التعامل مع الجماعات المصنفة على قوائم الإرهاب الأميركية، ما أثار ردود فعل متباينة بين الدوائر السياسية في واشنطن، وكذلك لدى الاحتلال الإسرائيلي، حيث بدا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غير راض عن هذه الخطوة، التي قد تؤثر من وجهة نظره على الاتفاق مع حماس في المستقبل.

ترامب يكسر القواعد
في عديد من الأحداث تبنت الولايات المتحدة سياسة صارمة بعدم التفاوض المباشر مع الجماعات التي تصنفها إرهابية، لكن يبدو أن دونالد ترامب مستعد لتجاوز هذه القواعد لتحقيق ما يعتبره إنجازًا أمام الرأي العام الأميركي.
ومنذ ولايته الأولى، أظهر ترامب حرصًا خاصًا على استعادة المواطنين الأميركيين المحتجزين في الخارج، بغض النظر عن طبيعة الجهات التي تحتجزهم.
اقرأ أيضا..
مصر تقود خطة شاملة لإعادة إعمار قطاع غزة.. خطوات عملية وتحديات كبيرة
وبشكل كبير نجح ترامب في الإفراج عن محتجزين أميركيين في إيران وروسيا واليمن، مستخدمًا هذه النجاحات في خطاباته السياسية باعتبارها دليلًا على نجاح دبلوماسيته، وفي خطاب حالة الاتحاد الأخير، تفاخر بإطلاق سراح مدرس أميركي كان معتقلًا في روسيا، ما يعكس أهمية هذه القضية بالنسبة له على المستوى السياسي.

مفاوضات سرية في الدوحة
بحسب المصادر الأميركية، تم إجراء مفاوضات سرية بين إدارة ترامب وحركة المقاومة حماس في العاصمة القطرية الدوحة، حيث تولى المبعوث الرئاسي الخاص لشؤون المحتجزين آدم بوهلر مسؤولية المحادثات، وقد شكل هذا الخبر مفاجأة، خاصة أن إسرائيل كانت تسعى بدعم أميركي، إلى الضغط على حماس بشتى الطرق للإفراج عن الأسرى، لكنها لم تكن تتوقع أن تتفاوض واشنطن مباشرة مع الحركة دون وساطة إسرائيلية.
فيما يرى المراقبون أن هذا القرار يعكس تباينًا في الأولويات بين واشنطن وتل أبيب، حيث يعتبر ترامب أن الإفراج عن الأميركيين أولوية قصوى، حتى لو تطلب ذلك عقد اتفاق يشمل وقفًا دائمًا لإطلاق النار، وهو ما لا يتفق معه نتنياهو، الذي يركز أكثر على تحقيق أهداف عسكرية وسياسية ضد حماس.
قلق الاحتلال الإسرائيلي من تحركات ترامب
كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن قلقه من خطوة المفاوضات بين أمريكا وحماس، إذ يرى أن أي تنازلات تقدمها واشنطن لحماس قد تضعف الموقف الإسرائيلي في الصراع.

وعلق آرون ديفيد ميلر، الدبلوماسي السابق والخبير في مؤسسة كارنيجي للسلام، على هذه التطورات قائلًا: «لا يمكن لنتنياهو أن يكون سعيدًا بهذه الأخبار، فترامب يظهر مرة أخرى أنه مستعد لاختراق الحواجز التقليدية لتحقيق أهدافه، وهو ما يجب أن يقلق نتنياهو»، مضيفا أن نتنياهو ربما يخشى أن يؤدي ذلك إلى تقويض استراتيجيته العسكرية تجاه حماس، لا سيما في ظل الضغوط الدولية المتزايدة لوقف الحرب والتوصل إلى اتفاق سلام.
تحول في السياسة الأميركية
بينما يتساءل الكثيرون عما إذا كانت هذه الخطوة تمثل تغييرًا جوهريًا في السياسة الأميركية تجاه الجماعات المسلحة، يرى الخبراء أن هذه ليست المرة الأولى التي تنتهك فيها واشنطن سياستها المعلنة بشأن عدم التفاوض مع الجماعات المصنفة إرهابية: «رغم المفاجأة التي قد يسببها التفاوض مع حماس، فإنه ليس أمرًا غير مسبوق تمامًا، وترامب يريد أن يظهر أمام الأميركيين أنه يبذل قصارى جهده لاستعادة المحتجزين، وهو مستعد لاستخدام أي وسيلة لتحقيق ذلك».

وأشار إلى أن الولايات المتحدة سبق أن أجرت محادثات غير رسمية مع منظمة التحرير الفلسطينية في الماضي، حتى قبل أن تعترف المنظمة بإسرائيل. كما أشار السفير فريدريك هوف، الخبير في المجلس الأطلسي، إلى أن هناك تقليدًا أميركيًا طويلًا في التفاوض مع الجماعات المسلحة، رغم التصريحات الرسمية التي تقول عكس ذلك.
سياسة عقد الصفقات
تتماشى الخطوة التي أقدم عليها ترامب مع أسلوبه المعروف في عقد الصفقات، حيث يفضل الحوار المباشر بدلًا من الالتزام بالسياسات الدبلوماسية التقليدية، فقد سبق أن صرح بشأن الحرب في أوكرانيا بأن «التوصل إلى السلام يتطلب التحدث إلى كلا الجانبين»، وهو نفس المنطق الذي ربما ينطبق على مفاوضاته مع حماس.
اقرأ أيضا..
جوسبل ولافندر.. برامج متطورة استخدمها الاحتلال في حرب غزة
وتقول عسل آراد، الأكاديمية المتخصصة في السياسة الخارجية الأميركية، إن ترامب ربما يرى في هذا التحرك وسيلة لإنهاء الحرب في غزة من خلال صفقة تشمل تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، وهو ما قد يُعتبر اعترافًا ضمنيًا بفشل نتنياهو في إيجاد حل للأزمة.
كيف يتفاعل الكونجرس مع هذه الخطوة؟
جدل كبير أثارته المفاوضات بين ترامب وحماس، ورغم ذلك إلا أن ردود الفعل في الكونجرس كانت متباينة، فالجمهوريون، الذين أظهروا دعمًا واسعًا لترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض، من غير المرجح أن ينتقدوا هذه الخطوة بشكل علني، بل قد يرونها دليلًا على قوة قيادته في حماية الأميركيين.
أما الديمقراطيون، فبالرغم من انتقاداتهم المستمرة لسياسات ترامب، إلا أنهم يجدون صعوبة في معارضة خطوة تهدف إلى تحرير المحتجزين الأميركيين، خاصة وأن النهج السابق بعدم التفاوض مع حماس لم يؤدِ إلى نتائج ملموسة.