52 بؤرة استيطانية و600 عملية هدم و29 تجمعًا مهجّرًا في 2024
صلاح الخواجة: الضفة الغربية تُفكك ميدانيًّا ومشروع الدولة الفلسطينية يُمحى تدريجيًّا (حوار)

في ظل تسارع السياسات الإسرائيلية على الأرض، تدخل الضفة الغربية مرحلة بالغة الخطورة، تُرسم ملامحها بجرافات الهدم، وخرائط التوسع الاستيطاني، وشبكات الطرق الالتفافية التي تعيد تشكيل الجغرافيا الفلسطينية قسرًا.
لم يعد الحديث عن مشاريع مستقبلية، بل عن وقائع تُفرض يوميًّا، ضمن رؤية استراتيجية تستهدف السيطرة الكاملة على الأرض وحرمان الفلسطينيين من مقومات السيادة.
المؤشرات الميدانية تشير إلى تحوّل نوعي في أدوات الاحتلال؛ حيث لم تعد المستوطنات الكبرى وحدها في واجهة المشهد، بل صعدت البؤر الاستيطانية العشوائية والرعوية كأداة فعالة للتمدد داخل العمق الفلسطيني، هذه البؤر تُستخدم كأذرع متقدمة لخلق واقع جديدة، تستبق أي حلول سياسية وتفرض منطق القوة كأمر واقع.
وتُقابل هذه السياسات بتراجع حاد في الحضور الدولي الفاعل، وانقسام داخلي فلسطيني، ما يُضعف من أدوات المواجهة ويمنح الاحتلال هامشًا أوسع للتحرك.
وبين واقع دولي مرتبك، وساحة إقليمية منشغلة بتحدياتها، تجد إسرائيل الفرصة سانحة لتكريس مشروعها الاستيطاني بأقل قدر من الممانعة.
في حوار مع "تفصيلة" تحدث الخبير في شؤون الاستيطان، صلاح الخواجة، عن أبعاد التوسع الاستيطاني، والتأثيرات المحتملة على مستقبل حل الدولتين، ودور المجتمع الدولي في ظل هذا التصعيد الخطير.
في ظل ما تشهده الضفة الغربية من تطورات ميدانية، كيف تصف المشهد الحالي؟
نحن أمام تصعيد خطير، فالممارسات الإسرائيلية الإجرامية في مناطق الضفة، خاصة في مناطق (ج)، تضاعفت بشكل غير مسبوق، عمليات الهدم والتهجير لم تعد استثناء بل أصبحت سياسة منهجية تُنفذ على الأرض بشكل يومي.
هناك من يرى أن ما يجري هو مخطط أوسع، هل نحن أمام مشروع ضم فعلي بصيغة مختلفة؟
بكل وضوح، ما يجري هو تطبيق عملي لسياسة الضم الزاحف، الاحتلال يفرض واقع جديد على الأرض يومًا بعد يوم، من خلال توسيع المستوطنات، نشر البؤر الرعوية، عزل التجمعات الفلسطينية، والضغط اليومي على السكان لدفعهم نحو الرحيل القسري.
لكن هناك من يربط التصعيد الداخلي في إسرائيل بهذه الممارسات، ما تعليقك؟
نعم، إسرائيل تعيد رسم الضفة الغربية بالمستوطنات في محاولة مكشوفة لحل أزماتها الداخلية، وخاصة أزمات نتنياهو السياسية وملفات الفساد التي تلاحقه، الاحتلال يُصدّر أزمته عبر استهداف الأرض الفلسطينية، ويستخدم الاستيطان كأداة سياسية داخلية.
هل ترى أن أدوات الاحتلال تغيّرت؟
الاحتلال لا يكتفي بالبناء الاستيطاني فقط، بل يستخدم اليوم أدوات أكثر قسوة، من تهجير قسري، إلى إرهاب منظم يمارسه المستوطنون ضد السكان، إضافة إلى سياسات تقييد الحركة ومنع الوصول إلى الأراضي الزراعية، كل ذلك ضمن استراتيجية خنق الفلسطينيين.
كيف تقرأ تسارع وتيرة المشاريع الاستيطانية في الضفة بعد وصول ترامب للبيت الأبيض؟
هذا صحيح، فعلى الرغم من أن الاستيطان لم يتوقف قبل ترامب، إلا أن صعوده إلى السلطة شكّل فرصة ذهبية للائتلاف الحاكم بقيادة نتنياهو، لتعزيز مساعيهم نحو الضم السياسي والإداري لمناطق (ج)، على سبيل المثال، كان المعدل السنوي لإنشاء البؤر الاستيطانية منذ عام 1967 حتى عام 2022 لا يتجاوز سبع بؤر في السنة، أما في العام الماضي فقط، فقد تم إنشاء 52 بؤرة جديدة، وهو رقم غير مسبوق.
كم وحدة استيطانية تحتويها البؤرة الواحدة تقريبًا؟
البؤر الاستيطانية تختلف من حيث الحجم والنمط، فهناك مستوطنات كبيرة تضم مئات بل آلاف الوحدات الاستيطانية، بينما هناك بؤر رعوية صغيرة تنشأ أحيانًا من قبل أفراد أو مجموعات قليلة، ومع ذلك، فإن تأثير هذه البؤر كبير، فمثلًا هناك أكثر من 116 بؤرة رعوية أنشئت في السنوات الثلاث الأخيرة، تسيطر على أراضٍ تعادل ضعفي المخططات الهيكلية للمستوطنات الكبرى.
ما الفرق بين البؤر الاستيطانية العادية والبؤر الرعوية تحديدًا؟
المستوطنات عادة ما تكون محاطة بمخطط هيكلي واضح، وتُبنى داخل حدود محددة بجدران أو سياج، أما البؤر الرعوية، فهي غير محددة، ومفتوحة المساحات، حيث يعتبر المستوطن أن أي منطقة تصلها مواشيه هي تحت السيادة الإسرائيلية، ويُمنع الفلسطينيون من دخولها.
وقد أدى ذلك إلى سيطرة عدد قليل من العائلات على مساحات شاسعة من الأراضي، كمثال، أربع بؤر في شرق رام الله تسيطر على 150 ألف دونم، وهو ضعف مساحة المخطط الهيكلي لمدينة تل أبيب (63 ألف دونم).
كيف تنظر إلى مستقبل الضفة في ظل هذه التوسعات؟
في الحقيقة، مشروع الضم ليس جديدًا، بل بدأ منذ عام 1967 بضم القدس، وتوسع في 2002 ببناء الجدار الذي التهم 12% من أراضي الضفة.
الجديد الآن هو محاولة نتنياهو الحصول على اعتراف سياسي دولي، خصوصًا من الرئيس الأمريكي ترامب، بأن هذه الأراضي تحت السيادة الإسرائيلية.
الهدف الحقيقي ليس فقط ضم الأراضي بل ضم مقدرات الشعب الفلسطيني، خاصة أن مناطق (ج) التي تشكل 64% من الضفة الغربية.
هل يعني هذا أن الضفة ستصبح تحت إدارة إسرائيل بالكامل، بما فيها سكانها الفلسطينيون؟
نعم، وهذا هو الخطر، الحديث هنا عن شطب كامل لحلم الدولة الفلسطينية، وتفكيك السلطة الفلسطينية ومناطق نفوذها، التهجير، الهدم، السيطرة، وخلق وقائع على الأرض هي خطوات مدروسة ضمن هذه الخطة.
في عام 2024 وحده تم تهجير 29 تجمّعًا بدويًّا، وتنفيذ ما لا يقل عن 600 عملية هدم في مناطق (ج)، وهناك 700 إخطار بالهدم في الأغوار وحدها.
ما السيناريوهات المحتملة حال مضي حكومة الاحتلال في هذه السياسات؟
السيناريو الأخطر هو ترسيخ واقع الفصل العنصري بشكل قانوني ورسمي، وتحويل الضفة إلى كانتونات معزولة، إذا لم يكن هناك تحرك دولي جدي وضغط حقيقي، فستتوسع هذه السياسات وتغيب أي فرصة لحل عادل.
الفلسطينيون يعيشون اليوم تحت نظام عسكري صارم وسط 898 حاجزًا، وجدار، وبوابات عسكرية، وهذا كله جزء من منظومة السيطرة والضم الزاحف.